قلوب مظلمة


علمتنا هذه الثورة في سوريا كثيرا...
على جميع المستويات، الشخصية والاجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية وغيرها.
على الصعيدين: الضيق المنحصر بالمجتمع المحيط، والواسع الممتد للعالم بأسره.

لقد علمتنا كم أن الحرية ثمنها غال، وكم أن العالم يريد للشعوب أن لا تكون كذلك، بل يريد الشعوب أن تكون عبدة لشهوات المال والسلطان والهوى ونزوات القلوب، تبحث عن مأكلها ومشربها وملبسها ومسكنها وما يرضيها فقط...
ليس أكثر من ذلك.

العبودية هي ما يريد العالم لنا أن نكون عليه، عبيدا لأطماعنا ونزواتنا...
عبيدا لأحزابنا وتوجهاتنا الدنيوية...
عبيدا للسلاح والمال...
عبيدا لفصيل أو شخص ذو سلطة...
ما يهمهم أن لا نكون عبيدا لله وحده..

العبودية عندما تكون لله يترفع المرء بها عن كل ما سواها مما ذكر أعلاه، فالعبودية عندما تكون لله وحده يكون كل تركيز المرء على تحقيق ما يرضي الله وحده، وليس ما يرضي نفسه.
عندما لا تكون العبودية لله حقا، تكون القلوب مظلمة، يظهر عورها وتتضح سوأتها من حقد وتيه وبعد عن الهدف الذي يسعى الجميع إلى تحقيقه.

عندما لا يكون القلب عبد لله وحده يصبح مظلما يهمز ويلمز، لا صبر ولا طاقة لديه على التحمل والمسامحة والنصح الحقيقي، بل يصبح باحثا عن الثغرات وينسى العدو الحقيقي الذي كان من المفروض أن يوجه طاقته عليه وليس عنه.
لم أستطع أن أكبح جماح قلمي عندما قرأت البارحة كلاما مقززا في أحد المجموعات يهاجم فيه أحد المشايخ وبعض الشخصيات في الغوطة لامزا لهم بأنهم ليسوا في المظاهرات، يتحدث وكأن أحدا قد طلب منه تسجيل الحضور والغياب على تلك الشخصيات بعينها.

مهما كان الخلاف مع شخص ما، فإن عبوديتنا لله تحتم علينا أن نتعامل معه بحكمة وذكاء وأن نكسب القلوب ونجمعها لأن ذاك الشخص له معنا أهداف مشتركة والخلاف يكون على الكيفية التي يريد كل منها الوصول إلى ذلك الهدف وهذا خلاف مهما كبر فإن حله ممكن وليس مستحيلا (من يقول في نفسه بل مستحيل، ليراجع قلبه ولينظفه من سواده). فيأتي من أظلم قلبه ونسي أن يكون عبدا لله وحده ليهمز ويلمز وينشر النميمة ويكتب غيبة وبهتانا مقيتا لا ينفع أحدا سوى شيطانه وهوى نفسه الحاقدة.

يترك العدو الحقيقي ويصرف وقته وجهده وطاقاته في مهاجمة من اشترك معه في العقيدة والدين والمنهج واللغة والعدو والرؤية والأهداف والأحلام واختلف معه فقط في كيفية التنفيذ!!!

أي تيه وظلام للقلوب هذا؟

هل تعلمون أن بعض القيادات والشخصيات الغربية الكافرة بين بعضهم الكثير من القضايا والمشاكل والمحاكم وأحيانا قضايا قتل، ولكنهم عندما يجتمعون للتخطيط للكيفية التي سيهاجمون بها بلادنا ويحتكرون اقتصادها ترى بينهم التوافق العجيب ولا تسمع لما بينهم من خلاف أي صوت في الإعلام ولا في وسائل التواصل الاجتماعي ولا حتى في المجالس، فلديهم هدف موحد يريدون تحقيقه، ومن لديه هدف يريد تحقيقه فعلا ينسى كل ما سواه.

لا أدري كيف تظلم قلوب آمنت بالله ربا وحقدت على إخوة لها ويتوافق الكفار الناكرين لوجود الله على هدف ينسيهم كل خلافاتهم!!! 

حتى الآن لم أتمكن من الوصول إلى تشخيص لهذه المعادلة العجيبة!!!

إن من أهم أسباب قوة الغربيين هو تركهم للخلافات جانبا وتركيزهم على الهدف الحقيقي وحل الخلافات سريعا وسرا وعدم تأجيلها وقد تميزوا في ذلك حقا وفشلنا نحن فيه بكل تأكيد.

أقولها وبكل ثقة...

لن تنتصر ثورة سوريا حتى ننظف قلوبنا من ضغائنها وأنفسنا من سفه القول ونركز جميعا على تحقيق الهدف الذي نريد، وهو إسقاط النظام النصيري لبناء دولة سوريا القوية الموحدة والمستقلة بقراراتها التي تقيم شرع الله حقا.

ومن ظن أن هدفا كهذا سيتحقق بكلام فارغ يهاجم فيه إخوته السوريين فليكف عنا لسانه وليستر سوأة قلبه المظلم، فهو ليس إلا شيطان في لباس إنسان قلبه مظلم.

أختم بقصة:
ذكر رجل أخاً له بسوء عند الأحنف بن قيس قال له الأحنف يا هذا هل غزوت الروم ؟ قال لا قال هل غزوت الفرس ؟ قال لا قال هل غزوت الديلم ؟ قال لا , قال الأحنف: فسلم منك الروم والفرس والترك والديلم ولم يسلم منك أخوك المسلم ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذه أمي

جبهة النصرة.. هل هي للنصرة؟ أين المشروع؟

الشخصنة عند العرب