العقد الذي بيننا... (قصة وعبرة)
عندما يكون هناك عمل مشترك بين طرفين أو أكثر (أفرادا أو جماعات) فمهما كان بينهم عقود واتفاقيات ووثائق يتم توقيعها مع وجود شهود وضامنين فلا يمكن أبدا إغفال أن هناك عاملان حاسمان هما الأهم في العمل المشترك بين أي من الأطراف وهما:
١- الثقة المتبادلة فيما بينهم
٢- الرغبة الحقيقية في إنجاز وتحقيق الأهداف المشتركة فيما بين الأطراف.
كم من مشاريع تأسست على عقود أكثر من أن تحصى وانتهت في سراديب المحاكم والخسائر الهائلة لعدم وجود أو ضعف العاملين المذكورين، وكم من صفقة كانت بعقود مختصرة وواضحة وبسيطة بين الأطراف ولكن مع وجود الثقة والرغبة الحقيقيتين استمر العمل لعقود من الزمن وأتى بالنفع على الكثير من الأطراف.
العامل البشري الداخلي (الثقة والرغبة) هي الأشد أهمية وحساسية في أي تعامل بين طرفين، جميع العقود والمواثيق هي لتوجيه الخلاف فقط لا غير.
هذا الأمر ينطبق تماما على العلاقة بين رئيس الدولة والمواطنين....
عدد كبير من الأطراف (أفراد وجماعات) يسعون لتحقيق أهداف محددة ضمن نطاق جغرافي محدد. والعقد الذي بينهم هو دستور الحكم الذي يمكن أن يعتبر المرجع وبمثابة العقد بين جميع الأطراف في البلاد التي يمثلها.
لم يكن الدستور مشكلة أبدا، وكما هو الحال في مطلع هذا المقال، فعندما يكون هناك ثقة حقيقية ورغبة جامحة لتحقيق الأهداف المشتركة فسيكون هذا الدستور مجرد حبر على ورق مهما كانت صياغته جميلة ورائعة ومتقنة. فلم يكن الدستور أيام الهالك حافظ الوحش مشكلة كبيرة، ولم يكن الشعب يتطلع إلى تغييره أبدا، لقد كان الشعب منذ البداية يتطلع إلى تغيير الطرف المتعاقد معه تحت هذا الدستور الذي قام النظام الحاكم بالقسم عليه يوما ما.
لم تكن الثقة الحقيقية موجودة بين الطرفين (الشعب والحزب الحاكم) ولم يكن هناك أبدا من طرف الحزب الحاكم الرغبة الحقيقية في إيجاد (فضلا عن تحقيق) أي أهداف تقيم وأد سوريا أو ترتقي بها أبدا مع وجود الرغبة الحقيقية لدى الشعب السوري في بناء بلاده وإعادتها لتكون دولة يهابها العدو ويحترمها الصديق.
أضف إلى ذلك أن النظام الحاكم أصبح هو وكل من يعمل تحت إمرته (من أكبر منصب إلى أصغر موظف) غير عابئ أبدا وليس من ضمن أولوياته لا كسب ثقة الطرف الآخر من العقد ولا المساعدة في تحقيق أي هدف تنموي للنطاق الجغرافي الذي يجمع الأطراف. فأصبح الطرف الأكبر والأشد ثقلا في العقد (الشعب) عبارة عن عامل يخدم الطرف الأول بغض النظر على العقد المبرم! وهذا مثبت بشكل بديهي. وإليكم قصة قصيرة تثبت ذلك.
أحد أصدقائي (أحمد) حصل على الجنسية التركية وتبقى له ورقة يحضرها من السفارة السورية في اسطنبول، لا يخفى على من زار ذلك الوكر حجم الامتهان والإذلال لكل من يسعى للحصول على أي من خدمات تلك السفارة، وكان ذلك اليوم تجمع هائل للناس خارج السفارة تسبب بسد الطريق وتعطيل حركة التجارة في المحلات المجاورة الأمر الذي استدعى تدخل الشرطة وقدوم بعض عناصر الأمن التركي باللباس المدني لمعرفة أسباب ما يحدث.
تحدث صديقي أحمد (الذي يتقن التركية) مع الأمن التركي وشرح له الأمر، وبعد لحظات وجد موظف السفارة ينادي له من بعيد فظن أحمد أن بإمكانه استلامع معاملته فكان بينهم الحوار التالي:
موظف السفارة: شو عم تحكي له ولاك؟
أحمد: شو دخلك؟
موظف السفارة: لما أسألك أنت بتجاوب وبس فهمت ولاك؟
أحمد: شو أنا بفرع مخابرات؟ قلت لك ما دخلك!
موظف السفارة: شوف ولاك، كلكم يا كلاب راجعين على البلد وهنيك نحنا رح نعرف كيف نخدمكم؟ احكي شوق قلت له.
أحمد: لا والله أنا ما برجع على هالبلد لو في مثل أشكالك رح تخدمني فيها.
موظف السفارة: بدك ترجع أنت وكل هدول اللي وراك غصبن عنكم ومو مطولة وأنا بعرف أتعامل معكم لما تصيروا بالبلد.
أحمد: أنا عندي جنسية تركية وأنت عم تهددني، الآن فورا راجع أشتكي عليك فورا
موظف السفارة: لا يا أستاذ، أنا مو قصدي
أحمد: الآن صرت أستاذ مو هيك؟
موظف السفارة: لا يا أستاذ الموضوع مو مثل ما أنت فهمته.
تركه صديقي ورحل.... انتهت القصة.....
هذه قصة قصيرة جدا ولكنها نقطة صغيرة في محيط هائل من القذارة التي نمى وتغذى عليها النظام وكل من يعمل تحت إمرته.
إننا كشعب سوري نحتاج إلى إعادة لم صفوفنا سوية وإعادة بناء الثقة فيما بيننا وأيضا العمل على إيضاح الأهداف التي نريد تحقيقها في بلادنا التي ضاعت أو تكاد من بين أيدينا.
كيف يحدث ذلك؟ هذا أمر يطول العمل به ويحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والتضحية من جميع عناصر المجتمع السوري الذي حتى الآن لم يستغل عشر معشار ما لديه من عوامل قوة أماتها بيده وعليها أن يعيد إنعاشها عاجلا كي لا يتأخر الوقت أكثر من ذلك.
أبو مالك
تعليقات
إرسال تعليق