خيارات صعبة

عندما تنظر إلى نفسك أنك ضحية، مسكين، الظروف قاسية، لا أحد معك، أعداؤك كثيرون والمتربصون أكثر، تخلى عنك الأصدقاء ولم يعد أمامك الكثير لتقوم له ووصلت إلى درجة الحيرة حيث لا وجهة واضحة لديك...
في هذه الحال أمامك خياران:

الخيار الأول: أن تــنــتظر من يساعدك ويحنو عليك ويقدم لك الفرصة التي تحتاجها والموارد الضرورية كي تعيد ترتيب نفسك، وهذا هو الخيار السهل، ويتم ذلك من خلال استجداء العطف وطلب ما تحتاج من غيرك...

الخيار الثاني: هو أن تغير من نفسك تغييرا حقيقيا وتغير حياتك وعاداتك وأصدقائك وحتى البلاد التي تعيش بها، تغير علاقاتك وما اعتدت القيام به سنينا سابقة وتأخذ الطريق الصحيح، تغير من تحالفاتك واستراتيجياتك وصناعة ما تحتاج بيدك وبناء الفرصة التي تحتاجها بنفسك

الخيار الأول يحتاج إلى علاقات كثيرة وعطف وحنان والكثير جدا من التنازلات عن مبادئك التي عليك أن تقدمها كي يعطيك عدوك الفرصة التي تريد

الخيار الثاني يحتاج إلى الكثير الكثير الكثير جدا من العمل والجهد والتضحية على حساب صحتك ووقتك والكثير من التواصل والجدال وارتفاع ضغط الدم في سبيل الحفاظ على مبادئك التي تتنازل عنها في الخيار الأول

الخيار الأول قصير المدة كي يتم تحقيقه وتبدأ بالخطوات التنفيذية له ولكن نتائجه غير معروفة وليست في يدك

الخيار الثاني يحتاج إلى الكثير جدا من الوقت كي يتحقق ولكن نتائجه مضمونه وهي في يدك وأنت صاحب اليد العليا فيها

الخيار الأول تتنازل فيه عن أهم ما لديك ليتحقق أهم ما لدى الآخرين (أعداؤك وأدعياء صداقتك)،

الخيار الثاني لا تنازل فيه عن المبادئ والتضحية فيه تكون على حساب الجسد بالتعب والعرق والجهد والمال

الخيار الأول تعمل فيه لوحدك (تحت يد من يدعمك) ولا تحتاج فيه الكثير من العلم والتوافق، فأنت لوحدك

الخيار الثاني تحتاج فيه الكثير من الاستشارة والتعلم والكثير من العمل الجماعي والتوافقات والتحالفات التي يجب أن تكون مبنية على أسس راسخة

الخيار الأول يصنع لك الكثير من المستغلين والكثير جدا ممن سوف يرتقي ظهرك كي يصل هو إلى ما يريد

الخيار الثاني يصنع لك الكثير من الأصدقاء (منهم الحقيقي ومنهم من يبحث عن مصلحة) ولكن في النهاية يصنع لك هذا الخيار الكثير جدا من الاحترام التي تنتزعه من عدوك قبل صديقك

والآن... هل يمكنك إسقاط ما سبق على نفسك، صديقك، غيرك؟

السؤال الذي أرقني... لم يسعى الكثير للخيار الأول! هل لأنه سهل أم لأنه هناك من (زبطت معه) فأصبح يريد أن يقلد غيره

هما استراتيجيتان منفصلتان لا تلاقي بينهما ولكن، لا ثالث لهما في هذه الحياة

كل ما سبق لا ينطبق فقط على الأفراد، بل أيضا على المجتمعات والدول، فهل يمكنني أن أطلب منك إعادة قراءة ما سبق وإسقاطه على المأساة السورية كي تعلم لم وصل بنا الحال إلى ما وصل؟

في المقالة القادمة سآتي ببعض الأمثلة - أفرادا ومجتمعات، منهم من قرر السير على الخيار الأول ومنهم من قرر السير على الخيار الثاني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لتركيا حق علينا

الشخصنة عند العرب

الحق الذي نستحق