نريد اندماج؟ وماذا بعد؟

عندما أقرأ أو أسمع أو أتابع ما يقال عن اندماج الفصائل، تصدر من قلبي ضحكة كلها ألم وأسى على الحال المنحط الذي وصلنا إليه. فالحديث عن الاندماج الصادر من المشايخ وقادة الفصائل وحتى بعض المنظرين يشابه إلى حد كبير حديث أطفال المدرسة الابتدائية في أحد مدارس أفريقيا عن تحرير فلسطين أيام الانتفاضة.

لتوضيح المأساة إليكم المثال التالي: 
شخص يريد بناء مبنى فأحضر مواد البناء وبدأ بتنفيذ عملية البناء على أرض فارغة يملكها، هكذا بكل بساطة دون دراسة الأرض أو معرفة المواد التي سيستخدمها، وأيضا دون رسم مخططات أو تحديد لم يريد بناء هذا المبنى أصلا هل هو منزل أم دكان أم برج، لم يلتفت إلى دراسة من حوله من المنافسين والجيران! هو لم يجلب المهندس العارف أو المستشار الخبير بل اعتمد بكل ثقة على نفسه!  وبالرغم من ذلك فقد بدأ البناء فعلا وبكل جهد وحرص وتضحية وصدق وإخلاص وجلب الإعلام ولم يقصر في وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ المبنى بالارتفاع..

برأيكم كيف سيكون هذا البناء؟؟ هل سيستمر؟ هل سيكون له من النجاح أو البقاء نصيب؟

هذا بالضبط الذي حدث ويحدث الآن في بناء الكيانات في الثورة السورية، وإليكم بعض الأمثلة التي لا يمكن إلا أن تكون ألما وخنجرا في خاصرة كل ثائر في سوريا.

الجبهة الإسلامية، عند انطلاقتها كانت أملا للكثيرين من الثوار السوريين واشرأبت الأعناق إليها تنتظر ما سيتنج عنها. ولكنها فشلت فشلا ذريعا أليما جعلها أثرا بعد عين.

الائتلاف الوطني السوري: عند انطلاقته كان هناك الكثير من الآمال المعلقة عليه حتى من بعض زعماء العالم لكنه أصحب بكل بساطة مطية لا تقدم ولا تؤخر ولا تأثير لها إلا في سفاسف الأمور.

المجلس الإسلامي: عند انطلاقته كنا جميعا نأمل أن يكون له الدور الحقيقي لملء الفراغ التي عانت منه الثورة السورية بكل ثقة وشجاعة، ولكنه أصبح دارا للخطابة والترجمة والبيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وكما ذكرت في مثال البناء في البداية، فإن الإخلاص والصدق والتضحية موجودة كلها، ولكن التأسيس الصحيح هو ما نفتقد منذ بداية الثورة وحتى الآن. فتضيع الجهود والأموال والتضحيات والأهم من كل ذلك... الدماء!!

عندما أقرأ ما يقوله من يسمي نفسه "دكتور" أو من يقوم عشرات من الجنود عن الاندماج فإنني لا أجد سوى سطحية مقيتة تصل إلى مستوى الإضحاك، ذلك لأنهم وككثير من أمثالهم يهرفون بما لا يعرفون. فما معرفة من يتحدثون عن الاندماج عن المشروع الوطني الذي يجب الاتفاق عليه قبل البداية بأي اتحاد؟ ما هي استراتيجيات التنفيذ والإطلاق والربط مع مختلف الجهات والمصالح؟ كيف سيتم التمثيل السياسي والاجتماعي وغيره؟ ما هي التحديات والصعوبات الاستراتيجية التي يجب التعامل معها؟ ما هي الآليات التنفيذية؟ ما هي الكيانات الداعمة؟ ما علاقة كل ذلك بالدولة الجديدة التي يجب أن نقيمها؟ ما هي هيكلية تلك الدولة وما مكوناتها الأساسية واستراتيجية تأسيسها؟ ما هي خارطة الطريق والاستراتيجية التي يجب أن نلتزم بها قبل القيام بالاتحاد؟ ما هي الكيانات الحاكمة والأطر والمعايير التي سنلتزم بها؟ وغيرها الكثير جدا من الأسئلة المحورية التي يجب أن تكون إجابتها جاهزة قبل البداية بأن مشروع اتحاد أو اندماج أو سمه ما شئت.

أن تكون طموحا، ليس استراتيجية
(Being ambitious is not a strategy) 

لهذا هم أقوياء ونحن ضعفاء...
لهذا لم يعد لنا صوت يتحدث باسمنا نحن الثوار حول العالم
لهذا لم يعد لنا وجود في اجتماعات ومحافل وقرارات دولية تحدد مصير بلادنا التي ثار أهلنامن أجلها ودفعوا لأجلها الدماء والمال والغالي والنفيس
إن ما يقوم به دعاة ما يسمونه اندماجا ليس إلا إجرام جديد في الثورة السورية، والإصرار العجيب لتمسك كل برأيه وكأن الوحي من السماء لم يصل إلا إليه ليس إلا نتيجة التيه والضياع الذي لا يزال العمل المسلح يعاني منه

لهذا فشلنا وذهبت ريحنا

ولن يتغير شيء ما لم نتغير نحن 

ومن ظن أنه مستثنى من السنن الكونية فهوه مخطئ

ملاحظة: كلمة اندماج كلمة لا تصلح أبدا لم يجب القيام به 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذه أمي

جبهة النصرة.. هل هي للنصرة؟ أين المشروع؟

الشخصنة عند العرب