الظلم وصناعة الأعداء

عندما بدأت الثورات في البلدان العربية لم يع الكثير من القادة العرب أن سبب هذه الثورات هو الظلم، فعلى مر السنين استمر الظلم يقع بشتى أشكاله على الشعوب من القادة وأتباعهم على جميع المستويات، فالوزير ظالم لموظفيه والمدير للعاملين والأب لأولاده وهكذا.
وعندما يستمر الظلم، تبدأ النفوس بالاحتقان والشحن الذي لا يتوقف في أي مجلس أو حديث مع صديق أو مشروع أو حتى خلوة مع النفس قبل النوم لأن الظلم هو الهم الأكبر لدى المظلوم ولا يرتاح أبدا حتى يتخلص منه. 

وبهذا ينتج لنا هذه المعادلة المأساوية:

المزيد من الظلم = المزيد من الاحتقان = انفجار أكبر = اعوجاج أكبر = بعد عن الصواب = تهور وانعدام للحكمة

ذلك لأن المظلوم عند وقوع الظلم عليه يبدأ في البداية في التفكير في كيفية التحاور مع الظالم والتواصل معه وعند استمرار الظلم واستبداد الظالم يبدأ ذاك المظلوم في التفكير في التخلص مما هو به بأي طريقة كانت، وفي مراحل متقدمة يكون الانتقام هو سيد الموقف وهذا ما يدل على أن الحكمة والصواب لم تعد في حسابات المظلوم.
الجدير بالذكر أن المظلوم الحكيم نادر الوجود جدا وهو من يجب أن يمسك بزمام الأمور ويعيد الناس إلى الحكمة التي يحتاجونها.

ولكن...
عند الوصول إلى مراحل متقدمة جدا في الظلم لا يعود الظالم قادرا على الحفاظ على سلطانه وتبدأ الثورات وتخرج عن المألوف ويكون الخاسر الأول هو الظالم نفسه الذي صنع أعداءه بيديه على مر السنين.
إذن الظالم يصنع أعداءه وكلما كبر الظلم كبر العدو وزاد عنفا وتحول العالم إلى غابة تتقاذفها الحروب الشرسة فهناك من يريد الحفاظ على سلطانه وهناك من يريد الانتقام.

وهذا بالضبط ما نراه الآن من آثار ومآس يتسبب الظلم بها.

وعلى نفس الصعيد، فإن داعش وفكرها السادي الهمجي لم يأت من فراغ، فهو نتيجة مجموعة من الظلام (ليس ظالم واحد) الذين تكاثروا على أصحاب الحقوق وغاب أصحاب الحكمة من المظلومين ولم يعد أحد يستمع لهم لأن الانتقام قد صار سيد الموقف فبدؤوا بالانتقام والقتل والتهديد والترويع ورفض كل من سواهم (على مستوى الأفراد) وصاروا عميانا عن الحكمة فتمكن الظالم من اختراقهم واللعب بهم بالرغم من الخسائر التي يعانيها الطرفان.

وبهذا، يظهر بكل وضوع أن الظالم يصنع أعداءه:

الأب الظالم المستبد يصنع أبناء عاقين وممتمردين عليه.
المدير المستبد يصنع موظفين يعادونه ويتركون شركته وينافسونه
المدرس الظالم يصنع طلابا يبحثون عن سيارته للانتقام منه
رئيس الدولة الظالم يصنع شعبا يعاديه وينتظر اللحظة التي يتحرر فيها من عبودية الظالم

الظلم يكون بالقوانين الجائرة - بالتعامل غير المتساوي مع الأقران - عدم تطبيق الأنظمة والقوانين - الاستثناء لمن يريد والاعتماد لمن لا يريد - استخدام القوة في غير موطنها - العقاب عند الاختلاف في الرأي - منع الحريات وغيرها الكثير من الممارسات الظالمة التي تمارس في كل مكان وعلى جميع مستويات السلطة ابتداء من الأخ الأكبر والأب وانتهاء بالوزير ورأس الدولة.

عندما يلغي كل إنسان الممارسات الظالمة من حياته لمن هم تحت يده وينتشر العدل في المجتمعات الصغيرة، سيصبح العدل ممارسة مجتمعية تنتقل من المجتمع الأصغر إلى الأكبر منه وهكذا حتى يشمل الأمة كلها...

المهم أن نبدأ...

تعليقات

  1. كلام رائع جداً........ فالظلم وعلى مر العصور يملك الهوية والصورة نفسها.......
    لكن الا ترى استاذي الكريم أن طريقة التعامل مع الظلم كما لو انها تختلف من مكان الى آخر ...... او بوصف ادق من شعب الى شعب
    نحن العرب وما وصفنا به من حكمة ورجاحة عقل في زمنٍ غابر...... اليوم وما نراه من تعامل مع الظالم ...... يتعدى حدود الانتقام الى صنع ظلام جدد.
    لعل الابتعاد عن الدين....... وفضلاً عن تناسي القدوة الحسنة من تاريخنا الاسلامي المشرف في طريقة التعامل مع الظالم، جردت الكثيرين منا التأني وتقديم العقل على العاطفة في التعامل مع هؤلاء الظلمة.

    جزيت خيراً

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذه أمي

جبهة النصرة.. هل هي للنصرة؟ أين المشروع؟

الشخصنة عند العرب