المشايخ والتخصص

بالرغم من أنني عاشرت الكثير من المشايخ (وهم أهل علم وصلاح نحسبهم والله حسيبهم) وأقصد بهم هنا المشايخ في العلم الشرعي والذين يكون لديهم سمعة وانتشار بين الناس بفعل الدعوة والمحاضرات والأنشطة التي يشاركون فيها.
 
وهم أهل تخصص في العلم الشرعي ويقومون بما يرون أنه عمل هادف يسعى إلى رفع الدين الإسلامي وهم أهل فضل في ذلك وهذا أمر لا ينكره أحد. حتى هنا نحن (حلوين)...
 
المشكلة هي عندما نجد هؤلاء (من دون ذكر أسماء) يضعون أيديهم في الإدارة والمال والاقتصاد والإعلام والسياسة والعسكرة والإغاثة والتنمية والتدريب والموارد البشرية وووووو!!!!!!! فنجد الشيخ الفلاني يشرف على منظمة خيرية وفي واقع الأمر يكون هو الذي له الأمر من قبل ومن بعد ويتخذ قرارات طائشة ولا يمكن لأحد مخالفته... وتجد آخر دخل في العمل الإداري ناسيا أن الإدارة علم وتخصص ويبدأ في إعطاء الدورات التدريبية وجلب الأشخاص وإقناعهم بأنه المدير الفذ... وغيره تجده يتكلم في السياسة الداخلية والخارجية لبلاد لم يعرفها ولم يكن له خبرة بها... وآخر يتدخل في الأمور العسكرية ويريد من الكتيبة الفلانية أن تهجم أو تنسحب أو....
 
من البديهي أن أحدا ليس له التخصص في العلم الشرعي لن يكون له الحق في التحدث في العلم الشرعي أو الفتيا أو ما قاربها من العلوم الشرعية، كما أن أستاذا في الجامعة محترم وله قدره لن يتدخل في أمور طبيب حتى وإن كان حديث التخرج فالطب تخصص أليس كذلك؟
 
إذن لماذا نرى المشايخ يمدون أيديهم فيما لا ناقة لهم فيه ولاجمل؟
 
لم يقوم الشيخ الفلاني بإنشاء منظمة خيرية (مثلا) ويضع نفسه صاحب القرار الأول والأخير فيها وليس لأحد فيها أي صلاحية سواه. ويأتي أيضا بأصحابه (المشايخ) للعمل معه كي يكونون عونا له وليس لأحد أن يقول له "لا. أنت مخطئ"!!! وآخر أنشأ منظمة وسلمها لمشايخ فظهرت فيها السرقات والاختلاسات وأدت إلى ما هو أسوأ من ما كان مأمولا منها... وقس على ذلك الكثير من الأمثلة...
 
هذه الثقافة العوجاء (من وجهة نظري على الأقل) لن تؤدي لا إلى تنمية ولا إلى بناء أو ارتقاء بالعمل المؤسسي أو أي فائدة للمجتمع الذي يستهدفه هؤلاء المشايخ بل إن الضرر أكبر من النفع على المدى الطويل حتى وإن كان هناك أثر إيجابي ملموس على المدى القصير.
 
إن دور مشايخ الدين معروف وهو في الدعوة والتعليم الشرعي والتوعية والمناظرة والذب عن الإسلام الذي ندين به وهو دور عظيم ليس لنا من عيش بدونهم ولكن لم التدخل فيما لا تتقونه؟ أليس الأجدى هو استهداف القدرات والمؤهلات المتخصصة وتسليمها مهامها وصلاحياتها كي تقوم بما تتقنه؟
 
هل سيكون الشيخ في المستقبل هو الدكتاتور القادم؟ أليس الدكتاتور هو من يرفض كلمة "لا" أن تقال له؟ وهذا الذي يحدث مع مشايخنا حفظهم الله!!
 
لقد أصبحت التزكية في مجتمعاتنا محصورة على المشايخ فقط، فإن قام شيخ ما بتزكية فلان فهو الرجل الصالح التقي الورع الجهبذ وإلا فليس له من سبيل في العمل حتى وإن في مجال تخصصه الذي يتقنه ويحترفه.  لا أقول هنا أن التزكية خطأ بل هي مجال هام في معرفة الثقة من غيره ولكن أن يكون هذا المزكي هو صاحب القرار ويده في كل شيء فهنا تظهر المصيبة..
 
كما أصبحت المشاريع والصدقات والإغاثة والعسكرة والتدريب والإعلام والقيادة وغيرها الكثير مرهونة بشيخ ما يقول نعم أو لا...

ينتابني شعور غامر بالسعادة عندما أجد أحد المشايخ الفضلاء وقد قدم تزكيته وعين المتخصص المؤهل وتابع عن بعد فقط ولم يتدخل في الصغيرة والكبيرة وقدم اقتراحاته ونصائحه حسب ما يراها... هذا ما نأمله من مشايخنا الفضلاء فهم تاج الرؤوس والعلم الذي لديهم هو أكرم العلوم على وجه الأرض ولكن هذا له حدود عندما يأتي دور صاحب المهنة.
 
لقد حان الوقت الذي نوكل فيه الأمر إلى أهله...
 
أليس كذلك؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذه أمي

جبهة النصرة.. هل هي للنصرة؟ أين المشروع؟

الشخصنة عند العرب